الرؤية الطموحة والفاعلة لا تكتفي باستهلاك منتجات المعرفة وأدواتها، بل تسعى إلى نقلها وتوطينها أملا في إنتاجها والتفوق فيها حاضرا ومستقبلا قلبا وقالبا. وهذا ما يسعى إليه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ضمن محطة زيارته الثانية في الولايات المتحدة، حيث بوسطن عاصمة المعرفة والتعليم الرائدة عالميا بجامعاتها الشهيرة ومراكز أبحاثها. محفوفا بشباب الوطن وشاباته الدارسين العاملين هناك أو المرافقين ضمن الوفد، بغرض التوقيع والتأسيس لبرامج تعليمية وبحثية طويلة الأمد، إيمانا من مهندس التغيير وعراب الرؤية بأن المستقبل لاقتصاديات المعرفة ولشباب مبدع هو رأسمالها البشري والحقيقي.
زيارات تميزت ببساطتها ومباشرتها؛ إذ خلت من البروتوكولات السياسية وأفردت مساحات واسعة لمشاركة الشباب السعودي فيها لتنطلق نحو صميم العمل المشترك بين البلدين بهدف إيجاد تعاون نوعي يقلل الفجوة المعرفية ويستثمر الطفرة الشبابية السعودية التي تراهن عليها رؤية البلاد في خططها وأهدافها المعلنة. كما يعمد مرارا وتكرار ولي العهد الشاب إلى الإشارة إليها والتعويل عليها في أحاديثه ولقاءاته محليا وخارجيا.
كما تأتي الزيارة لتعزز الحضور الدولي لـ"رؤية السعودية 2030" بأبعادها الاقتصادية الحديثة والمبتكرة. فبوسطن ومؤسساتها التعليمية ليست مكانا، بل حاضنة للأفكار ولعمليات ذهنية متتابعة أحدثت بمنتجاتها التعليمية والتكنولوجية فارقا اجتماعيا عابرا للثقافات والأعراق.
وبهذا المعنى المتداول اقتصاديا وعالميا لاقتصاديات المعرفة يكون السؤال: كيف لرؤية واعدة وخطة وطنية طموحة أن تتجاهل اقتصاد العالم الجديد" واتجاهاتها المقبلة؟ ما يعطي زيارة بوسطن زخما اقتصاديا يَصب في أوردة الرؤية. عبر عقود وتفاهمات مقبلة مع مؤسسات تعليمية وبحثية مرموقة كجامعة هارفارد ومعهد ماساتشوستس.
تحولات سياسية واقتصادية جذرية تقودها هذه البقعة الجاذبة لرؤوس الأموال ولأفكار الشباب. ولا تزال أسواق العالم واقتصاداته الكبيرة والصغيرة الناشئة موعودة بما هو أكثر في قادم الأيام. وهذا ما أدركته رؤية الأمير الشاب منذ بداية إدارته للمجلس الاقتصادي الأعلى للبلد؛ فإما أن تكون مبادرا وجزءا من التأثير الإيجابي القادم وإما تنتظر تأثير الآخرين بإيجابه وسلبه. خصوصا والسعودية من الدول المصنفة من أكثر الدول استهلاكا لمنتجات التقنية وتطبيقاتها.
رؤى جريئة وحقائق اقتصادية جديدة تجاوزت منطق سوق إنتاج السلع التقليدية والمالية، مؤسسة لاقتصاد حديث يقوم على المعرفة و"الفكرة المتفردة". فالابتكار، كما كتبت المؤرخة نانسي ف. كوين، الأستاذة في كلية هارفارد للأعمال "هي الكلمة الأكثر جاذبية في عالم الأعمال اليوم. إنها تستدعي رؤى جريئة من المنتجات والعمليات الجديدة، ومن بطولات المبادرة، والروح القيادية في السوق، وجني المكافآت المالية الكبيرة نتيجة لذلك. فلا عجب أن الدراسات في هذا المضمار قد اجتذبت كل أنواع المديرين التنفيذيين، والباحثين، والمسؤولين الحكوميين، وغيرهم".
يبقى أن هذه الزيارة، تأتي ضمن منظومة متكاملة وفاعلة من البرامج السياسية والاقتصادية الطموحة بقيادة الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد، الساعية لتجاوز مرحلة الاعتماد الريعي على النفط، ولتنويع الموارد الأخرى، وتعظيم جودة عملها وكفاءة مداخيلها، بما يخدم رؤية المملكة وطموح مواطنيها.
