عن أنس - رضي الله - عنه قال: )كنت أمشي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعليه بُردٌ نجرانيٌّ غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجبذه بردائه جبذةً شديدةً، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد، مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه، فضحك، ثم أمر له بعطاء (، هذا هو حال النبي -صلى الله عليه وسلم- مع العفو، فكيف هو حالنا نحن أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- مع العفو؟
حينما ندرك أهمية العفو في حياتنا، وما سيعود علينا، وعلى المجتمع من نفع سواء في الدنيا، أو في الآخرة، حين إذن لا بد من معرفة العفو من خلال الكتاب، والسنة، وأقوال العلماء فيه.
العفو لغة:
مصدر قولهم: عفا يعفو عفوا، وهو مأخوذ من مادة (ع ف و)، التي تدل على معنيين أصليين الأول: ترك الشيء، والآخر طلبُهُ، ومن المعنى الأول عفو الله عن خلقه، وذلك تركه إياهم فلا يعاقبهم، فضلا منه تعالى، وقال ابن الأثير: أصل العفو المحو والطمس، ومنه حديث أم سلمة:«قلت لعثمان: لا تعف سبيلا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم – لحبها» أي لا تطمسها.
العفو اصطلاحا:
قال المناوي: العفو القصد لتناول الشيء والتجاوز عن الذنب. وقال الكفوي: العفو كف الضرر مع القدرة عليه، وكل من استحق عقوبة فتركها فهذا الترك عفوٌ.
والْعَفُوُّ من أسماء الله تعالى: قال ابن الأثير: من أسماء الله تعالى الْعَفُوُّ هو فعول من العفو وهو التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه، وأصله المحو والطمس، وهو من أبنية المبالغة، وقال الغزالي: والعفو صفة من صفات الله تعالى، وهو الذي يمحو السيئات ويتجاوز عن المعاصي، وهو قريب من الغفور، ولكنه أبلغ منه فإنه يبنى على الستر، والعفو على المحو، والمحو أبلغ من الستر.
وقال ابن القيم - رحمه الله - تعالى: ومن حكمة الله - عز وجل - تعريفهُ عبده أنه لا سبيل له إلى النجاة إلا بعفوه ومغفرته - جل وعلا - وأنه رهين بحقه، فإن لم يتغمده بعفوه ومغفرته، وإلا فهو من الهالكين لا محالة، فليس أحد من خلقه إلا وهو محتاج إلى عفوه ومغفرته كما هو محتاج إلى فضله ورحمته.