درس من تضارب قرارات التجارة وهيئة سوق المال
11/10/2004 /
حسب دراسة قامت بها وكالة التمويل الدولي التابعة للبنك الدولي ومعنونة بـDoing Business 2005 ، تأتي معظم الدول العربية في ذيل القائمة من حيث عدد الأيام لبدء مشروع استثماري، وتأتي المملكة في آخر الترتيب بـ 64 يوماً بينما سبقتها اليمن 63 يوما ، الإمارات 54 يوما ، سورية 47 يوما ، لبنان 46 يوما ، مصر 43 يوما ، الأردن 36 يوما ، والكويت 35 يوما .
ولا غرابة في أن تأتي المملكة متأخرة عن جميع الدول العربية لقدرة المشاريع الجديدة في بدء العمل فالتناقض في الأنظمة وغموضها واضح في الارتباك الذي حصل في طرح أسهم «اتحاد اتصالات» المملوكة لسعوديين بنسبة 65 في المائة، بينما يمثل الجانب الإماراتي 35 في المائة فهيئة سوق المال أعلنت موعد الاكتتاب في يوم 16 تشرين الأول أكتوبر ، معتقدة أن الشركة حصلت على الوثائق اللازمة لطرح أسهمها للاكتتاب العام وربما فوجئت الهيئة، كما فوجئ المراقبون، من ظهور منشور صحافي بعدم حصول شركة اتحاد اتصالات على الترخيص اللازم لبدء عملها في المملكة من قبل وزارة التجارة والصناعة ويعتبر التضارب بين تلك القرارات تأكيداً واضحاً للإشكالية التنظيمية في البيئة الاستثمارية في المملكة إذ إن قرار مجلس الوزراء بالترخيص لشركة اتحاد اتصالات لم يكن كافياً لقدرة الشركة على البدء في تنفيذ أعمالها حسب جدول العمل الذي أعدته هي لذلك ويبدو أن الشركة فوجئت بعد صدور القرار الوزاري بمزيد من الطلبات والإجراءات التي ربما استنفدت قواها وأوهنت من عزمها، لدرجة أن نسمع بخلاف بين المؤسسين قبل أن تبدأ.
إن التعارض بين الصلاحيات والمسؤوليات بين المؤسسات الحكومية هي إشكالية سبق الحديث عنها كثيراً عند تأسيس هيئة الاستثمارات العامة، التي دأبت على تقليص الإجراءات والحث على التخلص منها لتشجيع الاستثمارات الأجنبية فالهدف من إنشاء هيئة الاستثمارات العامة هو إصدار ترخيص عمل للمستثمر الأجنبي خلال شهر واحد ويفهم من ذلك أن بإمكانه بدء التنفيذ في اليوم التالي لصدور الترخيص وإلا فما المعنى من وجود هيئة عامة للاستثمار وما المعنى من وجود ممثلين من قطاعات حكومية، بمن فيهم ممثلون من وزارة التجارة في الهيئة؟
إن وجود ترخيص من وزارة التجارة لا معنى له بعد أن تأذن الهيئات المنشأة حديثاُ هيئة الاتصالات، هيئة الاستثمار العامة، هيئة تنظيم الخدمات الكهربائية للشركات الأجنبية في الاستثمار المحلي إننا هنا لا ندعو إلى تقليص دور وزارة التجارة التنظيمي، ولكننا ندعو ألا يكون دورها مزيدا من إصدار تراخيص على تراخيص سبق أن أصدرتها جهات وزارية أو هيئات عامة فليكن دورها تسجيل الشركات العاملة في البلاد، مع ما يتطلب من مسح شامل لأنشطة الشركات العاملة في القطاعات الاقتصادية المختلفة.
إن تجربة طرح شركة اتحاد اتصالات درس حي لكشف تعارض الأنظمة وتعقيداتها، ناهيك عن أنها تشكل مزيدا من العوائق قد تحرمنا استثمارات محلية وأجنبية نحن أحوج إليها في الوقت الحالي أكثر من أي وقت مضى إن إعاقة مزيد من الاستثمارات يضعنا في تقهقر في ترتيب أكثر الدول طردا للاستثمارات الأجنبية، وربما حافزاً لخروج مزيد من الاستثمارات المحلية.